فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أهلَكِناها وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}.
{كأين} هي كاف التشبيه دخلت على أي قال سيبويه وقد أوعبت القول في هذه اللفظة وقراءتها في سورة آل عمران في قوله: {وكأين من نبي قاتل} [آل عمران: 146]، وهي لفظة إخبار وقد تجيء استفهامًا، وحكى الفراء كأين ما لك، وقرأت فرقة {أهلَكِناها}، وقرأت فرقة {اهلكتها}، بالإفراد والمراد أهل القرية و{ظالمة} معناه بالكفر، و{خاوية}، معناه خالية ومنه خوى النجم اذا خلا من النور، ونحوه ساقطة {على عروشها}، والعرش السقوف والمعنى أن السقوف سقطت ثم وقعت الحيطان عليها فهي على العروش، {وبئر}، قيل هو معطوف على العروش وقيل على {القرية} وهو أصوب، وقرأت فرقة {وبيئر} بهمزة وسهلها الجمهور، وقرأت فرقة {مَعْطَلة} بفتح الميم وسكون العين وفتح الطاء وتخفيفها، والجمهور على {مُعَطّلة} بضم الميم وفتح العين وشد الطاء، والمشيد المبني بالشيد وهو الجص، وقيل المشيد المعلى بالآجر ونحو: فمن الشيد قول عدي بن زيد:
شاده مرمرًا وجلله كلسًا ** فللطير في ذراه وكور

شاد بنى، بالشيد والأظهر في البيت أنه أراد علاه بالمرمر، وقالت فرقة في هذه الآية إن {مشيد} معناه معلى محصنًا، وجملة معنى الآية تقتضي أنه كان كذلك قبل خرابه ثم وبخهم على الغفلة وترك الاعتبار بقوله، {أفلم يسيروا في الأرض} أي في البلاد فينظروا في أحوال الأمم المكذبة المعذبة، وهذه الآية تقتضي أن العقل في القلب وذلك هو الحق ولا ينكر أن للدماغ اتصالًا بالقلب يوجب فساد العقل متى اختل الدماغ، {فتكون}، نصب بالفاء في جواب الاستفهام صرف الفعل من الجزم إلى النصب، وقوله: {فإنها لا تعمى الأبصار}، لفظ مبالغة كأنه قال: ليس العمى عمى العين وإنما العمى حق العمى عمى القلب، ومعلوم أن الأبصار تعمى ولَكِن المقصد ما ذكرناه، وهذا كقوله عليه السلام، «ليس الشديد بالصرعة وليس المسكين بهذا الطواف» والضمير في {فإنها} للقصة ونحوها من التقدير وقوله: {التي في الصدور}، مبالغة كقوله: {يقولون بأفواههم} [آل عمران: 167] كما تقول: نظرت إليه بعيني ونحو هذا، والضمير في {يستعجلونك} لقريش، وقوله: {ولن يخلف الله وعده}، وعد ووعيد وإخبار بأن كل شيء إلى وقت محدود، والوعد هنا مقيد بالعذاب فلذلك، ورد في مكروه، وقوله: {وإن يوما عند ربك كألف سنة}، قالت فرقة: معناه {وإن يوما} من أيام عذاب الله {كألف سنة} مما تعدون من هذه لطول العذاب وبؤسه، فكأن المعنى فما أجهل من يستعجل هذا وقالت فرقة معناه {وإن يوما} عند الله لإحاطته فيه وعلمه وإنفاذه قدرته {كألف سنة} عندكم ع وهذا التأويل يقتضي أن عشرة آلاف سنة وإلى مالا نهاية له من العدد في حكم الألف ولَكِنهم قالوا ذكر الألف لأنه منتهى العدد كون تكرار فاقتصر عليه ع وهذا التأويل لا يناسب الآية، وقالت فرقة: أن المعنى أن اليوم عند الله كألف سنة من هذا العدد، من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن تؤخر أمتي نصف يوم»، وقوله «يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم» ذلك خمسمائة سنة، ومنه قول ابن عباس: مقدار الحساب يوم القيامة ألف سنة فكأن المعنى وإن طال الإمهال فإنه في بعض يوم من أيام الله وكرر قوله: {وكأين} لأنه جلب معنى آخر ذكر أولًا القرى المهلكة دون إملاء بل بعقب التكذيب ثم ثنى بالمهملة لئلا يفرح هؤلاء بتأخير العذاب عنهم، وقرأت فرقة {تعدون} بالتاء، وقرأت فرقة {يعدون} بالياء على الغائب. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أهلكتُها} قرأ أبو عمرو: {أهلكتُها} بالتاء.
والباقون: {أهلَكِناها} بالنون.
قوله تعالى: {وبئر معطَّلة} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {وبئر} مهموز.
وروى ورش عن نافع بغير همز، والمعنى: وكم بئرٍ معطَّلة، أي: متروكة {وقصر مَشِيد} فيه قولان.
أحدهما: مجصَّص، قاله ابن عباس، وعكرمة.
قال الزجاج: أصل الشِّيد: الجصُّ والنُّورة، وكل ما بني بهما أو بأحدهما فهو مَشِيد.
والثاني: طويل، قاله الضحاك، ومقاتل.
وفي الكلام إِضمار، تقديره: وقصر مشيد معطَّل أيضًا ليس فيه ساكن.
قوله تعالى: {أفلم يَسِيروا} قال المفسرون: أفلم يَسِر قومك في أرض اليمن والشام {فتكونَ لهم قلوب يَعْقِلون بها} إِذا نظروا آثار من هلك {أو آذان يَسْمَعون بها} أخبار الأمم المكذّبة {فإنها لا تعمى الأبصار} قال الفراء: الهاء في قوله: {فإنها} عماد، والمعنى: أن أبصارهم لم تعم، وإِنما عميت قلوبهم.
وأما قوله: {التي في الصدور} فهو توكيد، لأن القلب لا يكون إِلا في الصدر، ومثله: {تلك عَشَرة كاملة} [البقرة 196]، {يطير بجناحيه} [الأنعام: 38]، {يقولون بأفواههم} [آل عمران 167].
قوله تعالى: {ويستعجلونك بالعذاب} قال مقاتل: نزلت في النضر بن الحارث القرشي.
وقال غيره: هو قولهم له: {متى هذا الوعد} [الملك 25] ونحوه من استعجالهم، {ولن يُخْلِف الله وعده} في إِنزال العذاب بهم في الدنيا، فأنزله بهم يوم بدر، {وإِن يوما عند ربِّك} أي: من أيام الآخرة {كألف سنة مما تَعُدُّون} من أيام الدنيا.
قرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {تَعُدُّون} بالتاء.
وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي: {يَعُدُّون} بالياء.
فإن قيل: كيف انصرف الكلام من ذِكْر العذاب إِلى قوله: {وإِن يوما عند ربِّك}؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أنهم استعجلوا العذاب في الدنيا، فقيل لهم: لن يخلف الله وعده في إِنزال العذاب بكم في الدنيا، وإِن يوما من أيام عذابكم في الآخرة كألف سنة من سنيِّ الدنيا، فكيف تستعجلون بالعذاب؟! فقد تضمنت الآية وعدهم بعذاب الدنيا والآخرة، هذا قول الفراء.
والثاني: وإِن يوما عند الله وألف سنة سواء في قدرته على عذابهم، فلا فرق بين وقوع ما يستعجلونه وبين تأخيره في القدرة، إِلا أن الله تفضَّل عليهم بالإِمهال، هذا قول الزجاج. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أهلَكِناها} أي أهلَكِنا أهلها.
وقد مضى في آل عمران الكلام في كأين.
{وَهِيَ ظَالِمَةٌ} أي بالكفر.
{فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} تقدّم في الكهف.
{وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} قال الزجاج: {وبِئرٍ معطلةٍ} معطوف على {مِن قريةٍ} أي ومن أهل قرية ومن أهل بئر.
والفرّاء يذهب إلى أن {وبِئرٍ} معطوف على {عروشِها}.
وقال الأصمعيّ: سألت نافع بن أبي نعيم أيهمز البئر والذئب؟ فقال: إن كانت العرب تهمزهما فاهمزهما.
وأكثر الرواة عن نافع بهمزهما؛ إلا وَرْشًا فإن روايته عنه بغير همز فيهما، والأصل الهمز.
ومعنى {معطلةٍ} متروكة؛ قاله الضحاك.
وقيل: خالية من أهلها لهلاكهم.
وقيل: غائرة الماء.
وقيل: معطلة من دِلائها وأَرْشِيَتها؛ والمعنى متقارب.
{وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} قال قتادة والضحاك ومقاتل: رفيع طويل.
قال عدِيّ بن زيد:
شاده مَرْمَرًا وجَلَّله كِلْ ** سًا فللطير في ذُراه وُكور

أي رفعه.
وقال سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومجاهد: مجصّص؛ من الشِّيد وهو الجصّ.
قال الراجز:
لا تَحْسَبَنِّي وإن كنت امرأ غَمِرًا ** كحيّة الماء بين الطين والشِّيد

وقال امرؤ القيس:
وَلاَ أُطُمًا إلا مَشيدًا بجَنْدَلِ

وقال ابن عباس: {مشِيدٍ} أي حصين؛ وقاله الكلبيّ.
وهو مَفْعِل بمعنى مفعول كمبيع بمعنى مبيوع.
وقال الجوهريّ: والمشِيد المعمول بالشيد.
والشيد بالكسر: كل شيء طلَيت به الحائط من جص أو بلاط، وبالفتح المصدر.
تقول: شاده يَشِيده شَيْدًا جَصّصه.
والمشيَّد بالتشديد المطوّل.
وقال الكسائيّ: المشِيد للواحد، من قوله تعالى: {وقصرٍ مَشِيدٍ} والمشيّد للجمع، من قوله تعالى: {فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78].
وفي الكلام مضمر محذوف تقديره: وقصر مشيد مثلها معطل.
ويقال: إن هذه البئر والقصر بحضرموت معروفان، فالقصر مشرف على قُلّة جبل لا يرتَقى إليه بحال، والبئر في سفحة لا تُقِرّ الريح شيئًا سقط فيه إلا أخرجته.
وأصحاب القصور ملوك الحضر، وأصحاب الآبار ملوك البوادي؛ أي فأهلَكِنا هؤلاء وهؤلاء.
وذكر الضحاك وغيره فيما ذكر الثعلبيّ وأبو بكر محمد بن الحسن المقرئ وغيرهما أن البئر الرّس، وكانت بعدن باليمن بحضرَمَوْت، في بلد يقال له حَضُوراء، نزل بها أربعة آلاف ممن آمن بصالح، ونجوْا من العذاب ومعهم صالح، فمات صالح فسُمِّيَ المكان حضرموت؛ لأن صالحًا لما حضره مات فبنَوْا حضوراء وقعدوا على هذه البئر، وأمّروا عليهم رجلًا يقال له العلس بن جلاس بن سويد، فيما ذكر الغزنويّ.
الثعلبيّ: جلهس بن جلاس.
وكان حسن السيرة فيهم عاملًا عليهم، وجعلوا وزيره سنحاريب بن سوادة، فأقاموا دهرًا وتناسلوا حتى كثروا، وكانت البئر تسقي المدينة كلها وباديتها وجميعَ ما فيها من الدواب والغنم والبقر وغير ذلك؛ لأنها كانت لها بكرات كثيرة منصوبة عليها، ورجال كثيرون موكلون بها، وأبازن بالنون من رخام وهي شبه الحياض كثيرة تملأ للناس، وأُخر للدواب، وأُخر للبقر، وأخر للغنم.
والقُوّام يسقون عليها بالليل والنهار يتداولون، ولم يكن لهم ماء غيرها.
وطال عمر الملك الذي أمّروه، فلما جاءه الموت طُلِيَ بدهن لتبقى صورته لا تتغير، وكذلك كانوا يفعلون إذا مات منهم الميت وكان ممن يكرم عليهم.
فلما مات شق ذلك عليهم ورأوا أن أمرهم فسد، وضجوا جميعًا بالبكاء، واغتنمها الشيطان منهم فدخل في جثة الملك بعد موته بأيام كثيرة، فكلمهم وقال: إني لم أمت ولَكِن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم؛ ففرِحوا أشدّ الفرح وأمر خاصته أن يضربوا له حجابًا بينه وبينهم ويكلمهم من ورائه لئلا يعرف الموت في صورته.
فنصبوا صنمًا من وراء الحجاب لا يأكل ولا يشرب.
وأخبرهم أنه لا يموت أبدًا وأنه إلههم؛ فذلك كله يتكلم به الشيطان على لسانه، فصدّق كثير منهم وارتاب بعضهم، وكان المؤمن المكذب منهم أقلّ من المصدّق له، وكلما تكلم ناصح لهم زُجر وقُهر.
فأصفقوا على عبادته، فبعث الله إليهم نبيًّا كان الوحي ينزل عليه في النوم دون اليقظة، كان اسمه حنظلة بن صفوان، فأعلمهم أن الصورة صنم لا روح له، وأن الشيطان قد أضلهم، وأن الله لا يتمثل بالخلق، وأن الملِك لا يجوز أن يكون شريكًا لله، ووعظهم ونصحهم وحذرهم سطوة ربهم ونقمته؛ فآذَوه وعادوه وهو يتعهدّهم بالموعظة ولا يُغِبّهم بالنصيحة، حتى قتلوه في السوق وطرحوه في بئر؛ فعند ذلك أصابتهم النقمة، فباتوا شباعًا رُواء من الماء وأصبحوا والبئر قد غار ماؤها وتعطل رِشاؤها، فصاحوا بأجمعهم وضجّ النساء والولدان، وضجّت البهائم عطشا؛ حتى عمّهم الموت وشَمِلهم الهلاك، وخَلَفتهم في أرضهم السباع، وفي منازلهم الثعالب والضباع، وتبدلت جناتهم وأموالهم بالسِّدر وشَوْك العِضاه والقَتاد، فلا يسمع فيها إلا عزيف الجن وزئير الأسد، نعوذ بالله من سَطَواته، ومن الإصرار على ما يوجب نَقِماته.
قال السُّهيلي وأما القصر المشِيد فقصر بناه شدّاد بن عاد بن إرم، لم يبن في الأرض مثله فيما ذكروا وزعموا وحاله أيضًا كحال هذه البئر المذكورة في إيحاشه بعد الأنيس، وإقفاره بعد العمران، وإن أحدًا لا يستطيع أن يدنو منه على أميال؛ لما يسمع فيه من عزيف الجن والأصوات المنكرة بعد النعيم والعيش الرَّغَد وبهاء المُلْك وانتظام الأهل كالسلك فبادوا وما عادوا؛ فذكّرهم الله تعالى في هذه الآية موعظة وعبرة وتذكرة، وذكرا وتحذيرًا من مَغَبة المعصية وسوء عاقبة المخالفة؛ نعوذ بالله من ذلك ونستجير به من سوء المآل.
وقيل: إن الذي أهلكهم بختنصّر على ما تقدم في سورة الأنبياء في قوله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ} [الأنبياء: 11]. فتعطلت بئرهم وخرِبت قصورهم.
قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض} يعني كفار مكة فيشاهدوا هذه القرى فيتّعظوا، ويحذروا عقاب الله أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم.
{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محله الأذن.
وقد قيل: إن العقل محله الدماغ؛ وروي عن أبي حنيفة، وما أراها عنه صحيحة.
{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} قال الفراء: الهاء عماد، ويجوز أن يقال فإنه، وهي قراءة عبد الله بن مسعود، والمعنى واحد، التذكير على الخبر، والتأنيث على الأبصار أو القصة؛ أي فإن الأبصار لا تعمى، أو فإن القصة.
{لاَ تَعْمَى الأبصار} أي أبصار العيون ثابتة لهم.
{ولَكِن تعمى القلوب التي فِي الصدور} أي عن درك الحق والاعتبار.
وقال قتادة: البصر الناظر جعل بُلْغة ومنفعة، والبصر النافع في القلب.
وقال مجاهد: لَكِن عين أربع أعين؛ يعني لكل إنسان أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته؛ فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضرّه عماه شيئًا، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئًا.
وقال قتادة وابن جُبير: نزلت هذه الآية في ابن أُمّ مَكْتُوم الأعمى.
قال ابن عباس ومقاتل: لما نزل {وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى} [الإسراء: 72] قال ابن أمّ مكتوم: يا رسول الله، فأنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى؟ فنزلت: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولَكِن تعمى القلوب التي فِي الصدور}.
أي من كان في هذه أعمى بقلبه عن الإسلام فهو في الآخرة في النار.
قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب} نزلت في النضر بن الحارث، وهو قوله: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
وقيل: نزلت في أبي جهل بن هشام، وهو قوله: {اللهم إِن كَانَ هذا هو الحق مِنْ عِندِكَ} [الأنفال: 32].
{وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ} أي في إنزال العذاب.
قال الزجاج: استعجلوا العذاب فأعلمهم الله أنه لا يفوته شيء؛ وقد نزل بهم في الدنيا يوم بدْر.
قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوما عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَا تَعُدُّونَ} قال ابن عباس ومجاهد: يعني من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض.
عكرمة: يعني من أيام الآخرة؛ أعلمهم الله إذ استعجلوه بالعذاب في أيام قصيرة أنه يأتيهم به في أيام طويلة.
قال الفرّاء: هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة؛ أيّ يوم من أيام عذابهم في الآخرة ألف سنة.
وقيل: المعنى وإن يوما في الخوف والشدّة في الآخرة كألف سنة من سنيّ الدنيا فيها خوف وشدة؛ وكذلك يوم النعيم قياسًا.
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {مِما يعدّون} بالياء المثناة تحت، واختاره أبو عبيد لقوله: {ويستعجِلونك}. والباقون بالتاء على الخطاب، واختاره أبو حاتم. قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا} أي أمهلتها مع عتوّها. {ثُمَّ أَخَذْتُهَا} أي بالعذاب. {وإلي المصير}. اهـ.